رئيس الإتحاد الدولي لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين MIDEL وعميد كلية إدارة الأعمال في جامعة القديس يوسف USJ
هناك قنبلة موقوتة جديدة، وكرة نار تُرشق من منصّة إلى أخرى، وهي احتساب تعويضات نهاية الخدمة، يُمكن أن تنفجر في أي وقت، بين أيادي الأُجراء أو في قلب الشركات الخاصة، أو في الضمان الإجتماعي وبين أيادي الدولة والمسؤولين.
نذكّر بحزن، أن الشعب اللبناني، وخصوصاً المتقاعدين والمسنّين والأُجراء، قد خسروا 85% من ودائعهم وتعويضاتهم المقبوضة، وسُرق وهُدر قرشهم الأبيض المدّخر ليومهم الأسود. لكن المنتجين أيضاً منهم قد خسروا تقريباً 80% من مداخيلهم. البعض استطاع أن يؤمّن 20-30-40-50% من معاشاتهم القديمة على الفريش، لكن تدنّى مستوى معيشتهم، وأصبح من الصعب تأمين أدنى الحاجات الأساسية والإنسانية.
من جهة أخرى، علينا ألاّ ننسى أن شركات القطاع الخاص اللبناني قد خسرت أيضاً ودائعها بالطريقة عينها، وانخفض حجم أعمالها بنسبة 50-60%، بعدما كان الناتج المحلي يُراوح ما بين 50 و55 مليار دولار، حيث وصل في الوقت الحالي إلى نحو 20 ملياراً. فهذه الشركات أيضاً باتت تُواجه منافسة شرسة من الإقتصاد الأسود النامي، والسوق الموازية المبنية على التهريب والترويج والتبييض، وانهيار القطاع المصرفي، لتمويل أعمالها وتطويرها وإنمائها، علماً أن بعض هذه الشركات قد أُجبرت على الإقفال، لأنها لم تعد تستطيع متابعة أعمالها، وسط الفوضى الإقتصادية والمالية والنقدية، في هذه الأدغال المخيفة والخطرة. أما البعض الآخر فيُحاول إعادة هيكلته الداخلية وتأمين بعض المداخيل لينجو ويبقى على قيد الحياة.
أما بالنسبة إلى الضمان الإجتماعي، فهو أيضاً خسر كل ودائعه، وفُرّغت هذه الصناديق، من كل التعويضات المدفوعة من قبل الأُجراء والشركات، فبعد التَعثّر المالي للدولة اللبنانية، والإفلاس المبطّن الجاري، نُواجه أيضاً إفلاساً مبطّناً لهذه المؤسسة.
فها نحن وكل هذه المؤسسات أمام تحدّ رئيسي، وهو احتساب تعويضات نهاية الخدمة للأُجراء التي تستحق تعويضاتهم.
لا شك في أنه بعد العام 2024 ستُحتسب التعويضات الجديدة وفق سعر صرف المصرف المركزي، وهو 89 ألفاً و500 ليرة، لكن كيف ستُحتسب تعويضاتهم ما قبل العام 2023؟ فإذا احتُسبت بحسب سعر الصرف القديم وهو 15 ألفاً، فسيخسرون مرة أخرى 85% من حقوقهم، وسيُطعنون مرة أخرى.
أما إذا احتُسبت تعويضاتهم بحسب سعر الصرف الرسمي الجديد، فمن المستحيل أن تتحمّل الشركات والقطاع الخاص هذا الفارق الشاسع، بعدما دفعت مستحقاتها للضمان سابقاً، ولا يُمكن أن تتحمّل هذا الفارق والخسارة الهائلة. وإذا أُجبروا على ذلك، فستكون الضربة القاضية، ورصاصة الرحمة على ما تبقى من الشركات الخاصة والشفّافة. هنا مرة أخرى ستستفيد الشركات غير المصرّحة، والسوق السوداء التي لا تصرّح، وليس لها سجلّات وتنمو في ظل هذه الفوضى والفساد المستشري.
ندعو اليوم إلى حديث شفّاف وبنّاء بين كل شركاء الإنتاج حيال هذا الموضوع الشائك، بغية فكّ عقارب هذه القنبلة الموقوتة، والتفاوض وتقريب وجهات النظر، والإتفاق على سعر صرف مقبول، بحيث لا يُطعن بالأُجراء المذلولين ولا بشركات القطاع الخاص المنهكة.
أمّا عن موضوع الضمان الإجتماعي، فهل يُمكن إعادة الثقة به بعد الإفلاس الثاني والثالث توالياً، والذي لم يكن أيضاً يؤمّن الحد الأدنى للمضمونين، إلّا عبر الفساد والزبائنية، وبعض الغطاء السياسي والحزبي والطائفي. حان الوقت لإعادة البناء على أسس جديدة، وإعادة الهيكلة التامة كي لا تتكرّر الأخطاء عينها، فنبقى في الحلقة المفرغة عينها.
الحلُّ الأنسب يكمن بإعطاء الأُجراء الإختيار بين الضمان الإجتماعي، أو تأمين صندوق تعويض خاص للشركات بينها وبين أرباب العمل، والإختيار أيضاً بين تأمين الضمان أو تأمين خاص توفّره الشركات. لا يجوز أن يبقى الضمان الإجتماعي واجباً مُجبراً أكان على الشركات أو الأُجراء. والكل يعلم أنّ مَن يستفيد منه هم الذين لهم الدعم والسند، وتُستعمل هذه المنصّة الخدماتية لجزء كبير من الفساد، وستتبخّر أموالها مرة أخرى.
في المحصّلة، إنّ ساعة هذه القنبلة الموقوتة تدق بسرعة فائقة، فعلى الجميع مواجهة هذه الأزمة بصراحة وشفافية، لعدم انفجارها بين أيادي كل أفرقاء الإنتاج، والأهم عدم الإنجرار في الوحول السابقة عينها، وإعادة البناء الهشّ، من دون أي أسس صلبة.